بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
يؤمن المسلمون بصحيح الأديان السماوية كلها ، وأوصي الإسلام بالبر بأتباعها ، وجعل من تمام عقيدة المسلم ؛ الإيمان بالديانات السابقة ، والتي تتقارب فيما بينها من النواحي الأخلاقية ، وتكاد تتوافق في أصولها إن بعد أصحابها عن التعصب .
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله :
الإسلام يوصي بأهل الكتاب خيرا :
لقد شهدت الدنيا خلال تاريخها الطويل كثيرًا من الأديان، كما أرسل الله - تبارك وتعالى- إلى الناس كثيرًا من الأنبياء والمرسلين، حتى قال القرآن الكريم في سورة فاطر: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ) (الآية: 24). وقال في سورة غافر: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) (الآية: 78)
ولكن المعروف أن هناك ديانتين إلهيتين يُسمِّي القرآن الكريم أتباعهما أهل الكتاب، وقد أوصى الإسلام بحُسْن المعاملة والعلاقة بين أبنائه والمسالمين من أتباع هاتين الديانتين، ما لم يكن من أهلها عُدوان أو طغيان على المسلمين، حتى قال القرآن الكريم في سورة الممتحنة: (لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّنْ دِيَارِكُم أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّنْ دِيَارِكُم وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُم أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الآيتان: 8 ـ 9).
الإيمان بالكتب السماوية السابقة .. من عقيدة الإسلام :
وكتاب الله المجيد يُقرر أن من عقيدة المسلم أن يُؤمن بكل أنبياء الله ورُسله، وبكُتُبه المُنزَّلة من عنده كما نزلت، دون أن ينالها تحريف أو تغيير، فيقول القرآن الكريم في سورة البقرة: (آمَنَ الرسولُ بما أُنزِلَ إليه مِن رَبِّه والمؤمنون كُلٌّ آمَنَ باللهِ وملائكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه لا نُفرِّقُ بين أَحَدٍ مِن رُسُله وقالوا سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرَانكَ رَبَّنَا وَإليكَ المَصيرُ) (الآية: 285).
الإسلام يدعو للتقارب مع أهل الكتاب ونبذ العصبية :
والمسلمون يؤمنون بأن الأديان السماوية كلها على أصلها من عند الله، ويجب على أبنائها أن يتلاقوا جميعًا على كلمة سواء، ولكن العصبية الدينية كان لها دخل كبير خلال عصور التاريخ في توسعة حدة الخلاف بين أبناء هذه الأديان، والإسلام بحكم أنه قد جاء أخيرًا ومُكَمِّلًا قد قَرَّر أن من أصول الإسلام الإيمان والتصديق بالأديان السماوية كلِّها وبالرسل جميعها. وذلك بخلاف الأديان الأخرى، فإنها لم يعترف أبناؤها بالإسلام ولم يتقبلوه، فبينما يعترف المسلمون بموسى نبيًّا ورسولًا، وبعيسى نبيًّا ورسولًا، لا يعترف أبناء اليهودية والنصرانية بمحمد نبيًّا ورسولًا.
وقد استغلَّ بعض الحكام وأصحاب النية السيئة هذه الخلافات خلال عصور التاريخ، فأجَّجُوا نيران عداوات دينية واسعة، ولكن هذه العصبية العتيقة قد أخذت تَخِف وتقترب من الاعتدال، بحكم الدراسات الدينية الواسعة والمُخْلِصَة، والإسلام صَرِيح في الحُكم على نُسَخِ الكتب المنسوبة إلى الله، فإنها قد نالها التحريف والتبديل، والحذف والزيادة، وهذا شيء طبيعي؛ لأن تطاول الزمن، مع كثرة الاختلاق والافتراء، ومع الرغبة في استغلال الدين لأكل الدنيا، يُؤدي إلى ذلك، والأناجيل بأيدي أصحابها هي بإقرارها نفسها ليست كُتبًا سماوية، بل هي تلخيص لحياة السيد المسيح ـ عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ـ لجانب من أقواله، ولكن نصُّ القرآن متواتر، لم ينله تحريف أو تغيير، وهذه إحدى خصائصه التي اعترف بها أبناؤه وأعداؤه.
وكلما بعدت نسخة الإنجيل عن التحيز اقتربت من منطوق القرآن ومفهومه كما جاء في إنجيل برنابا.
التقارب الأخلاقي بين الأديان السماوية
وأحب أن أقول: إنَّ النواحي الأخلاقية في الأديان السماوية الثلاثة التي يدين بها العالم اليوم في أغلبيته تتقارب إن لم تتوافق، ومن واجب المُخلصين من أبناء هذه الأديان الثلاثة أن يتَّخِذوا مِن تَوَافُق هذه النواحي مِفْتاحًا للتلاقي على الكلمة السَّواء، التي نرجو إذا صدقوا النية وأخلصوها وصلوا إلى دين الله الحق القويم الدائم، الذي نزل على محمد، ونَطَقَ بِهِ التنزيل قاصدًا جميع شرائعه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ) (آل عمران:19).
والله أعلم .